بينما يلتقي قادة مجموعة العشرين في الأرجنتين، يواجه الاقتصاد العالمي منعطفاً حرجاً. فقد مررنا بفترة جيدة من النمو المرتفع بالمعايير التاريخية، لكننا الآن نواجه فترة بدأت تتحقق فيها مخاطر كبيرة وبدأت تلوح في الأفق غيوم أكثر قتامة.
ولما كانت البيانات الاقتصادية مخيبة للآمال في الآونة الأخيرة، يجب ألا نسمح لأنفسنا بالاستسلام للعقبات. بل يجب أن نتحلى بالطموح، بما في ذلك تنفيذ مجموعة إصلاحات متعددة المستويات، مما يمكن أن يعطي دفعة إضافية بواقع 4% لإجمالي الناتج المحلي في بلدان مجموعة العشرين.
ويتوقف النجاح في هذا الصدد على سرعة تحركنا - وتضافر جهودنا لتحقيقه.
دلائل تشي بتراجُع النمو
ويتنبأ الصندوق في تقرير
وتشير البيانات الأخيرة إلى أن هذه العوامل المعاكسة ربما تكون قد أبطأت الزخم* حتى بأكثر مما توقعنا في السابق. فعلى سبيل المثال، كان النمو في الربع الثالث من العام منخفضاً بصورة غير متوقعة في اقتصادات الأسواق الصاعدة مثل الصين، وفي منطقة اليورو. ويمكن أن تتأثر الثقة بدرجة أكبر إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول ترتيبات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وعلى المدى المتوسط، ولا سيما في الاقتصادات المتقدمة، نتوقع تراجُع النمو بسبب العوامل الديمغرافية المعاكسة وبطء الإنتاجية. وينطبق هذا على الولايات المتحدة، بمجرد انتهاء دفعة التنشيط المالي التي بدأت مؤخراً.
وبالإضافة إلى ذلك، يؤدي عدم المساواة المفرط في عدد ضخم من البلدان إلى الإضرار بكثير من الأفراد – كما يهدد بإضعاف التأييد الشعبي للإصلاحات التي من شأنها رفع الإنتاجية.
فما الذي يمكن القيام به لمعالجة هذه التحديات؟ أود تسليط الضوء على ثلاث أولويات.
أولاً، تعزيز أدواتنا الدفاعية
يستطيع صناع السياسات البدء بتوسيع حيز المناورة من خلال المالية العامة، حتى تتوافر لهم الموارد اللازمة لتقديم دعم أكبر للاقتصاد إذا ما طرأ ضعف كبير على النمو. ويعني هذا إجراء عملية ضبط مالي فعالة في الوقت الراهن – وخاصة في البلدان عالية المديونية مثل إيطاليا وعدة اقتصادات صاعدة.
ومن حيث السياسة النقدية، ينبغي مواصلة العملية الجارية لاستعادة أسعار الفائدة إلى مستوياتها العادية في كثير من الاقتصادات المتقدمة، باتباع مسار تدريجي يقوم على الإفصاح الجيد ويعتمد على البيانات. وليس هذا في صالحنا فقط، بل إنه يساعد أيضاً على تجنب تعريض الآخرين لاضطرابات لا داعي لها.
والخبر السار في هذا الصدد هو أن عودة السياسة النقدية العادية يشير إلى نمو قوي نسبياً في الاقتصادات المتقدمة. غير أن تشديد السياسة النقدية في الشهور الأخيرة – والذي اقترن بتصاعد التوترات التجارية – قد كثف الضغوط الخارجية بالنسبة لبعض الأسواق الصاعدة (انظر الرسم البياني). فكيف يمكن أن تتصرف إزاء هذا الموقف؟
على البلدان التي تتسم أهدافها التضخمية بدرجة جيدة من الثبات أن تعتمد على مرونة سعر الصرف لتخفيف الضغوط الخارجية. وإذا كانت هذه الضغوط تهدد بإحداث اضطرابات، يمكن أن تساهم إجراءات إدارة التدفقات الرأسمالية بدور في هذا الخصوص، باعتبارها جزءاً من حزمة سياسات أوسع نطاقاً.
ثانياً، العمل الجماعي هو التكتيك الرابح
ونعلم أن تصاعد الحواجز التجارية يؤدي بكل الأطراف المشاركة إلى إلحاق الهزيمة بأنفسهم في نهاية المطاف. ومن ثم، يتعين على كل البلدان أن تبتعد عن أي حواجز تجارية جديدة، مع التراجع عن التعريفات الجمركية التي تقررت مؤخراً.
والواقع أن أمامنا فرصة فريدة لتحسين النظام التجاري العالمي. وتشير أبحاث الصندوق إلى أن تحرير التجارة في الخدمات يمكن أن يضيف حوالي 0.5%، أو 350 مليار دولار أمريكي، إلى إجمالي الناتج المحلي في مجموعة العشرين على المدى الطويل.
وفي نفس الوقت أيضاً، يمكن أن يؤدي تضافر جهود البلدان المنفردة إلى تعزيز اقتصاداتها، وتقليص الاختلالات العالمية، وتعزيز الاقتصاد العالمي. ومن أمثلة ذلك أن ألمانيا يمكنها استخدام ما لديها من حيز مالي لدعم نموها الممكن، وذلك بزيادة الاستثمار وتحفيز العمالة على المشاركة في سوق العمل؛ بينما يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في هذا الصدد بتخفيض عجز ماليتها العامة؛ كما يمكن للصين أن تساهم أيضاً بالمضي في جهودها الجارية لاستعادة توازنها الاقتصادي.
وبعد عقد من الأوضاع الاقتصادية الميسرة نسبياً، يحتاج كثير من البلدان أيضاً إلى معالجة مستويات الدين القياسية – التي تبلغ مجتمعة 182 تريليون على مستوى العالم حسب تقديرات الصندوق. وبالإضافة إلى ذلك، من الضروري زيادة الشفافية فيما يتعلق بحجم الاقتراض وشروطه، وخاصة في البلدان منخفضة الدخل.
وبصورة أعم، تتطلب مخاطر القطاع المالي اتخاذ إجراءات لمواجهتها، منها تجنب التراجع عن الإنجازات التي تحققت في تنظيم القطاع المالي بعد الأزمة المالية.
ثالثاً، تسريع الوتيرة
وقد تبنت الأرجنتين كرئيس لمجموعة العشرين موضوعاً يمثل أولوية حاسمة – وهو بناء توافق في الآراء لتحقيق تنمية عادلة ومستدامة. لكن التقدم بطيء للغاية في الوقت الراهن. فكيف يمكن تعجيله؟
يمكن لمعظم الاقتصادات المتقدمة الأعضاء في مجموعة العشرين أن تستفيد من تخفيف القيود في أسواق المنتجات لتحفيز الابتكار وتخفيض الأسعار. ففي اليابان وكثير من بلدان منطقة اليورو، على سبيل المثال، تعلق أهمية كبيرة على تيسير الحصول على الخدمات المهنية. وفي كندا وألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها، من الضروري تقديم دعم أكبر للجهود البحثية.
كذلك يمكن أن تستفيد معظم البلدان النامية الأعضاء في مجموعة العشرين من إجراء إصلاحات في سوق العمل والمنتجات. فبإمكان اقتصادات مثل البرازيل والصين والهند وروسيا أن تحقق مكاسب بالابتعاد عن الضرائب التشويهية.
وفي كل البلدان تقريباً، من شأن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل أن تعزز النمو*، بل وتساعد أيضاً على جعل المجتمعات أكثر عدالة واحتواءً للجميع.
كانت هذه مجرد أمثلة لبعض الإجراءات التي يمكن أن تؤدي، حال تنفيذها بصورة تضامنية، إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي في مجموعة العشرين بواقع 4%* طبقاً لحساباتنا.
خاتمة
لقد بذلت مجموعة العشرين جهوداً بالغة الأهمية في مساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي خلال العشر سنوات التي أعقبت القمة الأولى لقادة المجموعة.
لكن غيوماً أكثر قتامة بدأت تخيم على الأفق من جديد.
وتتطلب معالجة هذه التحديات تنفيذ سياسات منطقية من الناحيتين القومية والدولية، كما تتطلب تعزيز شبكة الأمان المالي العالمية، وفي القلب منها صندوق النقد الدولي الذي يتعين أن يكون مستعداً بالأدوات اللازمة والموارد الكافية – حتى نضمن القيام بالدور المنوط بنا في مساعدة البلدان على منع الأزمات المستقبلية والتعامل معها إذا وقعت.
وإذ تلتقي مجموعة العشرين في بيونس آيرس، دعونا نواجه الظرف الراهن بتحرك سريع وتضامني.
* بالانجليزية
****
كريستين لاغارد تشغل منصب مدير عام صندوق النقد الدولي. وبعد انتهاء مدتها الأولى البالغة خمس سنوات في هذا المنصب، أعيد تعيينها في يوليو 2016 لمدة ثانية. وهي فرنسية الجنسية وسبق لها العمل وزيرا لمالية فرنسا اعتبارا من يونيو 2007 إلى يوليو 2011، كما شغلت منصب وزير دولة للتجارة الخارجية لمدة عامين قبل ذلك التاريخ.
وتتمتع السيدة لاغارد بخبرة عملية واسعة وتاريخ مهني بارز كمحام في الشؤون العمالية ومكافحة الاحتكار، إذ كانت شريكا في مؤسسة المحاماة الدولية "بيكر آند ماكينزي" ثم اختارها الشركاء لتكون رئيسا للمؤسسة في أكتوبر 1999، وهو المنصب الذي ظلت تشغله حتى يونيو 2005 حين عينت في أول مناصبها الوزارية في فرنسا. والسيدة لاغارد حاصلة على درجات علمية من معهد العلوم السياسية وكلية الحقوق في جامعة باريس 10، حيث عملت محاضِرة أيضا قبل انضمامها لمؤسسة "بيكر آند ماكينزي" في عام 1981.